احمد سيف الاسلام .. وهل نستطيع رثاء الافكار حين تموت ؟


احتجت لوقت طويل حتي استطيع ان اكتب هذا الموضوع .. وقتا زاد عن العام بقليل فمنذ رحيله وفي نيتي ان اكتب في هذه المدونة موضوعا عن احمد سيف الاسلام حمد .. "احمد سيف بتاع اليسار مش بتاع الاسلاميين ابو علاء وثناء ومني وجد خالد وجوز ليلي " كما كان رحمه الله يحب ان يعرف نفسه .
سالته صحفية اجنبية في حوار كانت تجريه معه عن اهم انجازات مركز هشام مبارك للقانون الذي اسسه سيف وكان يديره وحكت الصحفية علياء مسلم التي كانت تتولي الترجمة عن هذه اللحظة فقالت : " رجع في كرسيه، ورجّع راسه لورا وقعد يقلب في دفاتر ذاكرته وتجاربه.
بالتأكيد البنت كانت منتظره قصة تغيير قانون مُعيّن، أو تدريب جيل من المحامين الحقوقيين، أو حتى قصة عن  فلسفة محاولة فرض القانون على دولة اللاقانون. توقف سيف عن هزّ كرسيه، وظهرت ابتسامة عريضة على وجهه. ورجع لنا بالذكرى اللي افتكرها.
حكى لنا على يوم جات له فيه ست كبيرة من نجع في قرية في بلد بعيدة، بعد ما أخدت عدد كبير من المواصلات خلال عدد أكبر من الأيام والساعات عشان توصل له. ابنها كان اتقبض عليه واتلفّقت له تهمة. ميعرفش عرفته إزاي ولا سمعة عنه منين. أخد منها الأوراق واشتغل على القضية لحد ما الولد أخد حكم بالبراءة.
رجعت له الست من البلد البعيدة بعد فترة، بس المرة دي مش لابسة أسود ومعاها ابنها. كانت جايبة له هدية- يمكن طبخة-  مش فاكرة هي إيه. وهي دي أكبر وأبرز قصة نجاح شخصية له. واللي هي أكبر من قصة المركز نفسه. وقاللي بالعربي "قصص الناس الصغيرة تطغى على كل شيء"،
ببساطة هذا هو احمد سيف الاسلام فالمتتبع لتاريخ المحامي الكبير واحد رواد حركة حقوق الانسان في مصر سيتوقف عند هذه القصص قبل ان يتوقف عند المرافعات العظيمة لسيف في المحاكم او الابحاث القاونية او حتي نشاطه الحركي في تأسيس مركز هشام مبارك وفي اعداد جيل كامل من محاميي الحركة الحقوقية وهو الجيل الذي تقوم علي اكتافه عمليا الحركة الحقوقية المصرية الان ذلك ان هذه القصص هي الميراث الحقيقي لسيف وهي ما ميزه عن غيره من اباء حركة حقوق الانسان المصرية فالسيل انهمر من اللمحات الانسانية للراحل يرويه تلامذته وعشاقه وميريده علي وسائل التواصل الاجتماعي غطي علي اي شيء اخر فان كانت الحركة الحقوقية قد فقدت القامة الكبيرة احمد سيف فان الاف من البسطاء والفقراء قد فقدوا درع وسيف كان لهم .
ولد سيف في 9 يناير 1951 في احدي قري محافظة البحيرة والتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي كانت ميلادا حقيقا له فكان من القيادات الطلابية النشطة في فترة عدت اصلا الفترة الذهبية للحراك الطلابي في الجامعات المصرية وتخرج من الكلية عام 1977 ,كان أول اعتقال له لمدة يومين سنة 1972 ـ علي إثر مظاهرات الطلبة من أجل تحرير سيناء وكانت فترة اعتقاله الاطول عام 1983 حيث قضي خمس سنوات في سجن القلعة بسبب انتماءه لتنظيم يساري عرف باسم تنظيم المطرقة , في هذه السنوت الخمس تعرض سيف لشتي الوان التعذيب والتي بلغت حد ترك كسور في عظام جسمه مما اورثه كرها لهذا الجريمة وصنع منه واحد من اشرس المقاتلين ضد جريمة التعذيب في السنوات التالية فقرر دراسة القانون اثناء فترة اعتقاله وبالفعل حصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1989 وخرج من السجن ليعمل بالمحاماة فتطوع للدفاع عن المظلومين والمعتقلين السياسيين حتي من ابناء التيارات الاسلامية رغم العداء الايدلوجي بينهم وبينه كمحام يساري .

عام 1999 اسس احمد سيف مركز هشام مبارك للقانون واطلق عليه هذا الاسم تخليدا لذكري رفيق نضاله في مركز المساعدة القانونية لحقوق الانسان المحامي هشام مبارك احد المدافعين الاوائل عن حقوق الانسان في مصر ورغم ان نجم مركز هشام مبارك قد خبي في الايام الاخيرة قبل رحيل سيف بعدة اعوام الا ان الدور الذي لعبه المركز في دفع الحركة الحقوقية المصرية قد يكون متفرد فالمركز علي مدار ما يزيد عن 20 عاما لعب دور (مفرخة) للمحاميين الحقوقيين بل يمكننا القول انه يصعب ان تجد محامي حقوقي لم يتعلم شيء داخل مركز هشام مبارك سواء اكان محاميا عاملا في المركز او متطوعا  او حتي شارك في الدورات التدريبية والندوات او الحملات التي كان يرعاها المركز كحملة لا للمحاكمات العسكرية للمدنية وحملة وطن بلا تعذيب وغيرهم , اما عن المراكز الحقوقية التي خرجت بدعم من هشام مبارك فيكفينا ذكر شهادة الحقوقي حسام بهجت الذي استدان مبلغ 5000 من احمد سيف وجهازي كمبيوتر مستعملين من المركز ليبدأ بهم نشاط المبادرة المصرية للحقوق الشخصية .
شارك سيف كمحامي في العديد من القضايا ابرزها قضة الاشتراكيون الثوريون عام 2003 وقضية احتجاجات المحلة عام 2008 وقضية تفجيرات طابا عام 2004 بالاضافة الي تراثه من الابحاث القانونية والمذكرات والمرافعات التي يتداولها تلاميذه الان بينهم وقد اطلقت اسرته في الذكري الاولي لرحيله جائزة تحمل اسمه لشباب المحاميين تخليدا لذكره فالذي يدركه الجميع الان ان سيف الذي انجب لهذا الوطن علاء المدون والناشط المشهور ومني مؤسسة حركة لا للمحاكامت العسكرية للمدنيين والناشطة ثناء سيف يصعب ان يسقط من الذاكرة وخلفه هؤلاء وقبلهم جيش من التلاميذ والمريدين الذين اتخذوا طريق سيف دربا لهم .
بشكل شخصي تعاملت مع معظم الاسماء المعروفة في الوسط الحقوقي الان ولكني لم المس من احدهم ما لمسته من صاحب ذلك الوجه المثقل بالتجاعيد الذي التقيته عام 2010 في مركز هشام مبارك ودعاني احد الاصدقاء الي مجلسه بسطح احد فنادق وسط البلد وقتها لم اكن اعرف سيف الانسان او القامة ولكني وجدت كل من في المجلس يستمعون اليه بنوع من الافتتان والتقدير يقابله هو بالتباسط وبالضحكة التي لم تفارق وجهه ووجدته وهو القامة والقيمة يفسح المجال لشاب مثلي مازال يتعثر في خطواته الاولي ويستمع اليه في اهتمام حقيقي لا تشوبه شائبة الادعاء او التمثيل .. القتيت سيف بعدها بشكل عابر لمرة او اثنين قبل وفاته في 27 اغسطس 2014 وهالني كم الهموم التي يحملها هذا الوجه والذي يبدو ان السنوات الخمس الاخيرة قد ضاعفت عمره تقريبا .
رحمك الله ايها العظيم ولتنعم بالراحة الابداية التي لم تجدها بيننا في الوطن الذي خدمت ابناءه طويلا واستكثر عليك هو ان يكون ابناءك حولك في لحظة الوداع فحرمتك سجون النظام من اثنين منهم غيبهم الظلم والقهر في ظلمة الزنازين .





كانت فترة اعتقاله الأطول عام 1983، حيث قضى خمس سنوات في سجن القلعة - See more at: http://www.alaraby.co.uk/society/2014/8/27/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B3%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A9#sthash.CvtD2jKP.dpuf
كانت فترة اعتقاله الأطول عام 1983، حيث قضى خمس سنوات في سجن القلعة - See more at: http://www.alaraby.co.uk/society/2014/8/27/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B3%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A9#sthash.CvtD2jKP.dpuf

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التطور التاريخي لحقوق الإنسان

كتاب حقوق الانسان اسئلة واجوبة

اسئلة مشروعة حول حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني