الحبس المنزلي للنساء... رؤية قانونية

" حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة"

في إطار حملة «جوه البيت».. محمود عبد الظاهر يكتب: الحبس المنزلي ...
مادة 62 من الدستور المصري



رغم ان دستور(النوايا الحسنة) كان صريحا في تقرير الحق في حرية التنقل والذي يعني ببساطة حق الانسان في مغادرة اي مكان لأي مكان دون وصاية من احد بما يشمل هجرته خارج وطنه ورغم تاكيد نفس الدستور في العديد من مواده علي تساوي المواطنين وعدم التفريق بينهم في التمتع بالحقوق والحريات الواردة فيه بسبب اللون او العرق او الدين او الجنس الا ان المتتبع لمسار المشرع المصري يكتشف عكس ذلك .

في البداية فنحن نقصد بالحبس المنزلي للنساء " اجبار البنت او الزوجة او الاخت او الام وسواهم علي البقاء في المنزل  بشكل كامل وعدم السماح لهن بالخروج او منعهن من الذهاب لمكان مكين كمنع النساء من مغادرة البلدة التي تقطن فيها "

و تقييد الحرية داخل نطاق الاسرة قد يكون بشكل كامل بالمنع من الخروج من المنزل تماما او جزئي بمن الخروج في ساعات معينة_ الخروج مساء كمثال_ او منع الانتقال خارج حدود جغرافية معينة وعادة ما تعاني النساء داخل الاسرة _ سواء زوجات او بنات_ من تحكم رجال الاسرة في حقهن في حرية التنقل وبصورة اقل احيانا تقوم بدور الرقيب نساء اخريات كالام او الجدة وبشكل عام فان الصورة الاسوأ من الحبس المنزلي والمتعلقة بمنع الخروج التام من المنزل هي التي نجد لها صدى في قانون العقوبات  الذي يعاقب علي حبس الاشخاص دون مسوغ قانوني فنحد ان المادة رقم 280 من قانون العقوبات قد نصت علي " كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه مصري " اي ان قانون المشرع المصري اعتبر قيام شخص بحبس شخص رغما عن ارداته في غير الاحوال المنصوص عليها قانونية جنحة عقوبتها الحبس الذي لا تزيد مدته عن ثلاث سنوات وفي تفسبر احكام القضاء لهذه المادة اعتبرت انه لا عبرة بمكان الحبس حتي لو كان منزل المجني عليه نفسه وكذلك لا عبرة بشخص الجاني سواء كان من رجال السلطة العامة او من آحاد الناس ... الي هنا والوضع ظاهريا يبدو جيد الي حد فهل يا تري تصلح هذه المادة للمعاقبة علي جريمة الحبس المنزلي ؟

الاجابة هي ان هذا النص القانوني لا يصلح للتطبيق علي حالات الحبس المنزلي فعليا رغم صلاحيته الظاهرية لذلك وذلك بسبب نص قانوني اخر هو ورد في الباب الاول من الكتاب الاول (الاحكام العمومية ) من قانون العقوبات والذي نص علي " لا تخل أحكام هذا القانون في أي حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء." فهذا النص الذي يتحدث بوضوح عن سيادة الحكم الشرعي علي النصوص القانونية التالية له يجعل المرجعية في موضوع الحبس المنزلي لاحكام الشريعة الاسلامية باعتبار ان حبس الرجل لزوجته وبناته من قبيل الحقوق الشرعية التي تخولها له الرعاية المكلف بها شرعا تجاه اسرته وابلغ مثال علي استخدام هذا النص عموما يتضح في قضايا الاعتداء بالضرب علي الزوجات والذي درجت المحاكم المصرية علي اعتبار ضرب الزوج لزوجته ضربا غير مبرح وغير مسبب لعاهة يعتبر من قبيل التهذيب وهو حق شرعي للرجل علي اهل بيته !!! 

رغم الاطار المدني للمنظومة القانونية المصرية الا انها فيما يتعلق بحقوق النساء لا تزال تتمسك باحكام رجعية مبنية علي تفسيرات ضيقة وترفض حتي مناقشة تفسيرات اخري لنفس القضايا الفقهة ففي حقيقة الامر تحتاج التشريعات المصرية _لاسيما المتعلقة بالاحوال الشخصية ووضعية النساء_ لفك الارتباط بينها كقواعد قانونية وبين التفسيرات العقيمة للشريعة الاسلامية والتي اعتبرت بحكم المادة الثانية من الدستور "المصدر الاساسي للتشريع" والاهتداء بتفسيرات اكثر ملائمة للكرامة الانسانية للنساء وللمعايير الدولية لحقوق الانسان التي تحدثت في هذه النقطة في وثيقة تعتبر من اهم الاتفاقيات الدولية التي صيغت لحماية حقوق الانسان وهي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وهو اتفاقية ملزمة للدولة المصرية وقعت مصر عليها  في 4 أغسطس 1967  ودخلت حيز النفاذ في مصر  في 14 إبريل  1982 لتعامل بذلك معاملة التشريعات الداخلية فقد نص العهد في مادة رقم 12 علي : 
 "1. لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته.
2. لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده. "

وتحدثت  اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية  المعنية بمراقبة تطبيق الاتفاقية في دورتها  السابعة والستون عن الحق في التنقل واصدرت التعليق العام رقم 27  والذي تحدثت فيه بوضوح عن الحبس المنزلي فقالت "  ويجب على الدولة الطرف أن تضمن حماية الحقوق المكفولة في المادة 12 من أي تدخل سواء كان من جهات عامة أو من جهات خاصة. ولهذا الالتزام أهمية خاصة بالنسبة لحماية حقوق المرأة. وعلى سبيل المثال، فإن إخضاع حق المرأة في حرية التنقل واختيار مكان إقامتها لقرار شخص آخر، حتى لو كانت تربطه بها علاقة قرابة، سواء بالقانون أو بالممارسة العرفية، أمر يتعارض مع أحكام الفقرة 1 من المادة 12" 



* نشر هذا المقال على منصة ولها وجوه أخرى في اطار حملة "جوه البيت" التي اطلقتها 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التطور التاريخي لحقوق الإنسان

كتاب حقوق الانسان اسئلة واجوبة

حقوق الانسان.... المفهوم والخصائص