المجموعات النسوية الشابة في 2019: العمل تحت الحصار
المجموعات النسوية الشابة في 2019: العمل تحت الحصار
شهدت نهاية
العام 2019 واحدة من أسوا موجات القمع العامة في مصر، حيث جرى اعتقال ما يزيد عن
5000 مواطن ومواطنة من الشوارع، بحسب عدد من المنظمات الحقوقية المصرية. معظم
هؤلاء المعتلقين/ات تم اعتقالهم بشكل عشوائي إثر تفتيش هواتفهم الشخصية وفحص
منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. كان العام نفسه قاسيا على الحركة النسوية
المصرية، فقد استمرت السلطات في تصعيد حربها ضد المنظمات غير المدجنة من الحركة
باتباع سياسات القمع والاغلاق للمنظمات والاستهداف الشخصي والملاحقة للناشطات
والناشطين.
ورغم الانكماش
الواضح الذي طال أنشطة الحركة النسوية خلال السنوات القليلة الماضية إثر الضربات المتواصلة التي تلقتها من الدولة، وجدت بعض
المجموعات النسوية الشابة لنفسها طريقة للتواجد والعمل خلال عام 2019. تلك
المجموعات التي نجحت خلال السنوات التي تلت ثورة يناير 2011 في التمايز بشكل واضح
عما سبقهن من نضالات للحركة النسوية المصرية[1].
تواجدت هذه
المجموعات بشكل لافت في الفضاء الرقمي غالبًا وعلى الأرض أحيانًا لاستكمال ما بدأنه
من حراك قبل سنوات. في الجزء التالي نستعرض بشكل سريع ما قامت به هذه المجموعات
خلال هذا العام[2].
أولًا: مجموعة
جنوبية حرة
المجموعة التي
تم أطلاقها في أكتوبر 2012 جنوبي مصر بمحافظة أسوان، بهدف إلقاء الضوء على
الناشطات الجنوبيات وتعزيز مشاركتهن في الحياة السياسية ومناهضة صور العنف
المختلفة ضد النساء.
استطاعت المجموعة قبل
سنوات الحصول على تسجيل قانوني لها وبالتالي استفادت من وجود مقر دائم لها في
تنفيذ عدد من الأنشطة على الأرض مثل تنظيم عدد من العروض السينمائية لأفلام ذات
طابع نسوي خلال شهر مارس 2019 في إطار احتفال المجموعة باليوم العالمي للنساء،
ونظمت عدد من البرامج التدريبية حول الصحافة النسوية بهدف تكوين نواة لمنصة صحفية
اليكترونية جديدة تنوي إطلاقها تحمل أسم "جندريست"، بالإضافة لقيام
المجموعة بتنظيم عدد آخر من الفعاليات التدريبية المتنوعة.
في نوفمبر من العام
نفسه أطلقت جنوبية حملة اليكترونية عبر موقع الفيس بوك تحمل عنوان "نوت بوك
اورانج" بهدف التوعية بقضية التحرش الجنسي داخل الحرم الجامعي وتضمنت نشر
شهادات مجهلة لناجيات من التحرش الجنسي معظمهن من مدينة أسوان.
ثانيًا: حركة
بنت النيل
تأسست مجموعة
بنت النيل النسوية في نهاية عام 2011 بمحافظة البحيرة بهدف دعم قضايا النساء داخل
المجتمع المحلي والحد من مظاهر العنف ضدهن مثل التحرش الجنسي وقطع الأعضاء
التناسلية للإناث وزواج القاصرات. ونشطت الحركة بشكل لافت في السنوات التالية
لتأسيسها وقامت بتنفيذ أنشطة متنوعة داخل قرى محافظة البحيرة بدلتا النيل.
خلال العام
2019 نفذت "بنت النيل" عدد من الفعاليات داخل ريف محافظة البحيرة حول
جرائم قطع الأعضاء التناسلية للإناث والحق في سلامة الجسد، كما نشرت المجموعة
مطبوعة توعوية حول ذات الهدف.
النشاط اللافت
للمجموعة على الأرض لم يمر مرور الكرام، فتم استهداف مؤسسة الحركة ومنسقتها
الناشطة أسماء دعبيس بأنواع مختلفة من الانتهاكات، بلغت ذروتها في سبتمبر الماضي
حين تم اعتقال أسماء وزوجها المحامي الحقوقي وشقيقه من أحد المقاهي بمدينة دمنهور
في سياق حملة القمع العنيفة التي تعرضت لها البلاد في سبتمبر 2019. وتعرضوا
للاختفاء القسري لعدة أيام قبل أن يظهروا أمام نيابة أمن الدولة العليا كمتهمين في
القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، والتي تضم آلاف من المقبوض عليهم في
تلك الفترة وتتهمهم النيابة فيها بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وإنشاء
موقع من مواقع التواصل الاجتماعي لترويج أفكار تلك الجماعة، ونشر أخبار كاذبة،
والانضمام لمجموعة لتنظيم تظاهرة بدون ترخيص. في وقت لاحق تم الافراج عن أسماء
بينما لا يزال زوجها محبوسا في قضية جديدة.
ثالثًا: راديو بنات
أوف لاين
هي مجموعة
نسوية تنشط في محافظة الإسماعيلية. وتعتمد بالأساس على اذاعة مجتمعية نَسوِية تٌبث عبر الانترنت، وتهدف المجموعة
لمناهضة العنف والتمييز المبني على اساس النوع الاجتماعي في المجالين العام
والخاص، وتوفير مساحة آمنة للنساء للتعبير عن قضاياهن.
خلال عام 2019
وبمناسبة حملة الـ 16 يوم العالمية نفذت المجموعة حملة قصيرة بعنوان "فرض
وصاية" بهدف زيادة الوعي المجتمعي فيما يتعلق بقضايا قطع الأعضاء التناسلية
للإناث وزواج القاصرات، تضمنت الحملات دعوة الناجيات من تلك الممارسات لتوثيق
تجاربهن، حيث قامت المجموعة بإعادة نشرها عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك فيما
بعد بالإضافة لنشر مقطع فيديو وعدد من الحلقات الاذاعية في ذات السياق، وقد صاحب
الحملة الرقمية التي نفذتها المجموعة تنظيم عدد من جلسات التوعية بإحدى قرى محافظة
الإسماعيلية حول ذات الموضوعات.
رابعًا: مجموعة
أنثى:
هي مجموعة
نسوية بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة. تسعى للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد
النساء، ونشر الوعي النسوي. خلال العام 2019 نفذت المجموعة حملة اليكترونية واحدة
بعنوان "قلم مكسور " والتي استهدفت تسليط الضوء على حرمان النساء في
الريف من حقهن في التعليم أو اجبارهن على دراسة تخصصات بعينها وقامت الحملة بتوثيق
عدد من شهادات النساء ونشرها عبر صفحتهم بموقع الفيس بوك.
خامسًا: مجموعة
براح آمن
بدأت مجموعة
"براح" عملها عام 2015 كحملة رقمية تستهدف الضغط على صناع القرار في مصر
لإصدار قانون يحمي النساء من العنف الأسري واتخذت من أسم القانون عنوانا لها. وفي
العام 2018 تم تأسيس المجموعة باسمها الحالي كمجموعة نسوية تستهدف توفير مجال خاص
آمن للنساء بشكل عام وخالي من كل صور العنف والتمييز ضدهن. تعمل المجموعة من خلال
أدوات متعددة منها التوعية، والرصد والتوثيق، والمناصرة والتشبيك.
تعتبر
"براح آمن" من أنشط المجموعات النسوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. في
العام 2019 تفاعلت المجموعة مع عدد من وقائع الاعتداء على النساء، كما نفذت حملة رقمية قصيرة بعنوان "مش للستات بس" بهدف
طرح إشكالية جنسانية النساء وأجسادهنّ في ظل ما يعانيهن من أثار جراء استخدام
موانع الحمل. وبمناسبة حملة الـ 16 يوم العالمية لمناهضة العنف ضد النساء، أطلقت
المجموعة حملة رقمية بعنوان "وأد منزلي" حول جرائم قتل النساء على خلفية
الشك في سلوكهن، وهو ما يعرف مجتمعيا باسم "جرائم الشرف". ناقشت الحملة
المنظور الثقافي والقانوني لهذه الجرائم ونشرت عشرات القصص وبعض الشهادات المسموعة
حول ذات القضية. كذلك تفاعلت الحملة مع اليوم العالمي للمدافعات عن حقوق الإنسان
حيث قامت بالتعريف بقضايا عدد من المدافعات المصريات المعتقلات على خلفية نشاطهن
الحقوقي.
نشرت المجموعة
تقرير رصدي سنوي حول جرائم العنف الأسري ضد النساء في العام 2018، ونشرت عدد من
التقارير الشهرية الرصدية هذه الجرائم خلال عام 2019 وهي التقارير التي تم
الاعتماد عليها في إصدار تقرير سنوي جديد في مطلع عام 2020.
انخرطت تلك
المجموعات وغيرها في تدشين تحالف يحمل أسم "رابطة المجموعات النسوية الشابة"
في مطلع العام 2018 . التحالف أطلق حملتين رقميتين خلال العام 2019. الحملة الأولى
استمرت لمدة 3 أيام بعنوان "سلك شائك". أطُلقت في خضم الذكرى السنوية الثامنة لثورة يناير 2011، بهدف البحث
عن أسباب عدم قدرة عدد كبير من النساء المشاركة في أحداث الثورة. وذلك من خلال عرض
شهادات موثقة عن نساء خضن صراعًا ضد العقبات التي حالت دون مشاركتهن في أحداث
الثورة. الحملة الثانية حملت أسم "من 19 لـ 19" واهتمت برصد والتعريف
بمسيرة النساء خلال مئة عام هي عمر خروج النساء للمجال العام منذ انخراطهن في ثورة
1919 وحتى العام 2019.
رغم ذلك لا
يمكن أنكار حقيقة أن القمع أو مناخ التخويف العام للناشطين والناشطات قد أثر بشكل
كبير على هذه المجموعات، فبمراجعة نشاط عدد من المجموعات الأخرى نجد أن أحد أهم
المجموعات النسوية الرقمية التي ظهرت في السنوات الأخيرة وهي مجموعة "ثورة
البنات" قد توقفت بشكل كامل عن العمل خلال عام 2019.[3] بالإضافة
إلى مجموعات أخرى تناقصت أنشطتها حتى الرقمي منها مثل مجموعة "دورك"
النسوية والتي تنشط في محافظة قنا بصعيد مصر، واقتصرت فقط على المشاركة في الحملات
التي أطلقتها رابطة المجموعات النسوية. بل أن المجموعات التي استعرضنا عملهن سابقا،
غالبا ما أتسم عملهن بـالـ "موسمية" حيث أرتبط نشاط تلك المجموعات
الرقمي خلال العام الماضي بتواريخ بعينها مثل اليوم العالمي للمرأة وحملة الـ 16
يوم العالمية لمناهضة العنف ضد النساء. وحتى الكيان الذي جمع هذه المجموعات معا
_رابطة المجموعات النسوية الشابة- فمنذ
صدور البيان الختامي لحملة "من 19 لـ 19" في 17 مارس 2019 لم يُلاحظ أي
نشاط للرابطة.
لا يمكن رؤية
ذلك بمعزل عن الاستهداف المباشر الذي طال مؤسسة حركة بنت النيل أسماء دعبيس وطال
غيرها من عضوات هذه المجموعات في سنوات سابقة وتمثل في تضييقات على أنشطتهن على
الأرض أو استهدافهن بشكل شخصي بالمنع من السفر والاخضاع لتحقيقات قسرية وغيرها.
غير أن قياس حجم الانكماش في أنشطة هذه المجموعات لا يقارن بما طال عدد من
المنظمات النسوية التقليدية. قد يرجع ذلك لأن هذه المنظمات تلقت ضربات مكثفة تطال
الوسائل التقليدية التي اعتادت استخدامها في حين طرحت "المجموعات" وسائل
جديدة منذ ظهورها. وقد تُفسر لامركزية انتشار هذه التنظيمات وصغر حجمها، قدرتها
على امتصاص الصدمة والاستمرار في العمل ولو بشكل أقل.
تميز هذه
المجموعات بلا مركزية الانتشار الجغرافي، كسر احتكار العاصمة شبه الكامل للعمل
النسوي المنظم، وسمح لهذه المجموعات بالعمل على قضايا شديدة المحلية جنبًا إلى جنب
مع القضايا العامة الكبرى، فيمكن ان تدشن أحدى هذه المجموعات حملة رداً على واقعة
تحرش محلية، أو واقعة واحدة لتمييز قائم على أساس الجندر.
أما عن الأدوات فقد استفادت تلك المجموعات بشكل
كبير من التطور المتسارع في وسائل التواصل الاجتماعي وابتكرت من خلالها أشكالا
جديدة من التنظيم الافتراضي، ساعدتهن في إزالة عوائق الزمان والمكان التقليدية
بالإضافة لتجاوز عقبات أخرى تتعلق بالتمويل، وبصعوبة حشد بعض القواعد الجماهيرية
المعينة لوجود عوائق اجتماعية أو أسرية، مثل النساء اللاتي يتعرضن للحبس المنزلي
أو يعملن بهويات مستعارة خوفا من انتقام أسرهن. وبطبيعة الحال ساعدت تلك الوسائل
في توفير قدر من الحماية النسبية للمنخرطات في تلك المجموعات من مخاطر الاستهداف
الأمني الرسمي للناشطين والناشطات.
لا يمكن إهمال
العوامل الشخصية أيضا، فقد تميزت هذه الموجة من الحراك النسوي في مصر بجرأة
راديكالية في طرح قضاياهن والدفاع عنها، تلك الجرأة التي ظهرت جلية في اشتباك هذه
الموجة مع قضايا العنف الجنسي، فقد تعدى خطاب هذه الموجة الحديث عن التحرش الجنسي
في الشوارع والمساحات العامة وهو ما كان تقدميا بشكل كبير في 2011 وما تلاها. بل اشتبكت
هذه المجموعات ومن ناصرهن من ناشطات وناشطين فرديين مع قضايا مثل التحرش والعنف
الجنسي داخل التنظيمات السياسية الثورية نفسها، وخُضن معارك ضد رفاق الأمس من الناشطين
والناشطات في الحركات السياسية والاجتماعية الأخرى، فأكد هذا على مفهوم النضال
المركب للنسويات في السياق المصري. ذلك المفهوم الذي يتضمن نضال في سياق القضايا
العامة ضد النظام القمعي الأبوي من خلال الانخراط في حركات التغيير الاجتماعي
العامة، ونضال على خط متوازٍ معه ضد رفاقهن في ذات الحركات المنادية بالتغيير،
سواء بهدف دفع مطالب النساء لمراتب متقدمة في قائمة مطالب تلك الحركات أو بهدف
مناهضة التمييز والعنف الواقع على النساء المنخرطات في صفوف تلك الحركات.
واي كانت التفسيرات
لقدرة هذه المجموعات على العمل تحت الحصار فإن استمرارها في الوقت الحالي يمثل
أهمية كبرى للحركة النسوية المصرية حيث يمكن لهن الدفاع عن مكتسبات الماضي
والتمهيد لجولات جديدة من الصراع في المستقبل، والذي يحمل لهن كل الاحتمالات
بحلوها ومرها.
[1]- دفع هذا التمايز الاكاديمية والمترجمة
المعنية بقضايا الجندر، د. هالة كمال لاعتبار هذه المجموعات يمثلن جيلا رابعا
للحركة النسوية المصرية، وعبرت عن ذلك في عدد من الدراسات التي نشرتها بالعربية
والانجليزية، يمكن الرجوع هنا لورقة بعنوان: "لمحات من مطالب الحركة النسوية
عبر تاريخا" والصادرة عن مؤسسة المرأة والذاكرة عام 2016.
https://bit.ly/2xsVhlm
https://bit.ly/2xsVhlm
[2] - اعتمد هذا الاستعراض على ما هو
متوافر من معلومات وبيانات داخل المواقع الاليكترونية وصفحات الفيس بوك الرسمية،
الخاصة بهذه المجموعات.